تاريخ الأتراك
يعتبر الشعب التركي من أقدم الشعوب وآصلها على مر العصور، فهو شعب انتشر وتوسع في قارات أسيا وأوروبا وإفريقيا. ولكن عند التمعن في التاريخ التركي، نجد أنه يختلف عن تاريخ الشعوب الأخرى من ناحية التاريخ والجغرافيا وذلك في عدة نقاط أهمها: الحياة المشتتة التي كان يعيشها الشعب التركي والسعي إلى التطور بمختلف الطرق ومجملاً فانه من الصعب النظر في التاريخ التركي في وقت وتاريخ محدد. لقد عاش الأتراك تاريخهم ولفترة طويلة جداً في مناطق مختلفة بحثاً عن وطن جديد ومناخ مختلف. ولذلك فعند التحدث عن التاريخ التركي نجد انه لايعتبر تاريخ خاصاً بمنطقة معينة بحد ذاتها أو بمجتمع معروف بعينه بسبب رؤية الشعب التركي دويلاته في أي منطقة من المناطق في العصور القديمة، ولمعرفة تاريخهم بالتحديد يجب النظر إلى التاريخ الخاص بهم والذي وثقوه لأنفسهم في مناطق مختلفة ويحمل اسم الأتراك ويذكر أفعالهم التي قاموا بها.
أ-مسمى الترك:
تشير الدراسات أن مسمى الترك لم يكن في الأساس اسما (قومياً) يختص بشعب معين بل انه ظهر كمسمى سياسي. وانطلاقاً من مسمى الشعب ألخاقاني الـ (گوك-ترك) هو المسمى الخاص لتلك الدولة حتى أصبح احد الأسماء التابعة لها وعندما توسعت الإمبراطورية بعد ذلك صار اسم (ترك) يطلق على أتراك آخرين ومع مرور الوقت أصبح اسما شعبياً يميز المجتمعات التي تنسب إلى الجنس التركي.
قبل اكتساب الصبغة السياسية، نقلت كلمة (ترك) كاسم خاص بمعنى القوة (كصفة: القوي) وذلك طبقاً لوثيقة تاريخية مكتوبة باللغة التركية، ويعتبر هذا الاسم متواجدا في اللغة التركية من زمن بعيد حيث تعني كلمة (ترك): شعب (الطاي) أي (وطن الأتراك الأول) وذلك طبقاً للوثيقة والتي عثر عليها عام 420م، واستخدم هذا الاسم فيما بعد كاسم خاص مرة أخرى بدولة (الهون-ترك) أي (الهون القوية) وكانت إمبراطورية الـ (گوك- ترك) هي أول من استخدم كلمة (ترك) كمسمى رسمياً للدولة التركية.
ب- أصل الأتراك:
تشير الدراسات التي أجريت في السنوات الأخيرة أن الأتراك ينسبون إلى الجنس الأبيض وتبين كذلك أنهم يصنفون من بين ثلاثة أجناس بشرية موجودة على سطح الأرض وهي: (الايوروبيد) و (التورانيد) و(المغوليد) وهذا الأخير هو الجنس الذي ينسب إليه الأتراك وهم قوم المغول ويأتي الأتراك في مقدمة هذا الجنس الذي يعتبر مختلفاً عن المجتمعات البشرية الأخرى والذي يمتاز بطابع تنوع الجنس البشري. وصفات هذا الشعب: البشرة البيضاء واعتدال الأنف واستدارة الفك والشعر الخفيف المجعد و الذقن والشاربين متوسطي الكثافة. ومثل لجنس (التوران) أي (الأتراك) الصفات الموجودة لدى أتراك آسيا الوسطى وشعوب ماوراء النهر وأتراك الشرق الأدنى ذكر أو أنثى وهي: بياض البشرة ولمعان العين ووسعها والوجه الدائري (وجه القمر، وسع العين) ورشاقة الجسم وقد ضرب به كمثل للجمال في القرون الوسطى، حتى أن كلمة (ترك) تعني الإنسان الجميل في الأدب الفارسي.
جـ- الموطن الأصلي للأتراك:
لقد أجريت مختلف الدراسات المتقدمة في المجال العلمي فيما يتعلق بوطن الأتراك الأول. وتشير تلك الدراسات العلمية والتي أجريت مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين أنه:
وطبقاً لمصادر صينية يرى المؤرخون أن وطن الأتراك الأول هو جبال الطاي وما جاورها. أما العلماء المتخصصون بدراسة تاريخ الشعوب فيرون أن وطن الأتراك الأول هو مناطق شمال آسيا.
ويشير العلماء المتخصصون بالعلوم الإنسانية أن وطن الأتراك الأول يقع بين جبال تانري ومراعي قرغز، كما يشير مؤرخو الدراسات الجيولوجية أنه يقع في منطقة شعب الطاي ومنطقة شمال غرب آسيا ويشير المؤرخون المتخصصون في الثقافة أن موطن الأتراك الأصلي هو منطقة الطاي ومراعي قرغز جنوب غربي بحيرة بايكال. ولتنوع أوصاف مناطق الأتراك ولكونهم شعباً كثير التنقل والترحل فقد استطاعوا نقل ثقافتهم إلى مختلف الشعوب. ومن ناحية أخرى، فتشير الدراسات التي قام بها علماء اللغة أن وطن الأتراك الأصلي هو المناطق الواقعة بين جبال الطالي واورال وشمال وجنوب شرق بحر قزوين. وعلاوة على ذلك فقد ظهرت معلومات مهمة فيما يتعلق بوطن الأتراك الأصلي ما قبل الميلاد. وبناءا على تلك المعلومات يتضح أن قوم افاناسييڤوالذين ظهروا في منطقة مينوسينسك غربي منطقة شمال الطاي (مابين1200-1700سنة قبل الميلاد) وقوم اندرونوڤاالذين ظهروا في الفترة (مابين1500 - 2500 سنة قبل الميلاد) يمثلون ثقافة تلك الأجناس وخاصة الجنس الأخير وليس جنس المنغوليدكما ذكر سابقاً، الأخير النموذج الأول للجنس التركي.
د- انتشار الأتراك:
استمرت عمليات التنقل من الوطن الأم التركية مع مرور الوقت والتي قد بدأت منذ فترة زمنية طويلة واستمرت الهجرة إلى خارج الوطن آلاف السنين. ويمكن عرض بعض الوقائع التاريخية الدقيقة فيما يتعلق بتاريخ جميع التنقلات التي قام بها الشعب التركي خارج الوطن فترة ماقبل الميلاد. وعلى سبيل المثال: ضرورة إدراج انتقال قوم الياقوت وقوم الشوفاش الذين ينتمون للأتراك وحكم قوم الياقوت لشمال سيبيريا ضمن التاريخ منذ وقت بعيد. وخاصة أن لغة شعب الياقوت تعتبر من أكثر اللغات تغيراً في الوقت الراهن. ويتوقع أن مجموعة كبيرة من الأتراك كانوا يعيشون مع قوم السكيت ويقطنون المناطق المجاورة لنهر فولجا وذلك خلال الفترة مابين القرنين الثالث والسادس الميلادي. وطبقاً لبعض التوقعات فانه تصادف الهجرة الأولى للشعب التركي إلى مناطق هندوس- بنجابي الهندية الأول قبل الميلاد. وهناك توقعات تشير إلى أن الشعب التركي هاجر أيضا إلى مزوبوتاميا قبل ذلك بفترة طويلة وذلك عن طريق مرتفعات إيران. ويعتبر شعب السومر أول الشعوب المتحضرة والذين تعد لغتهم اللغة السامية وليست الهند- اوروبايو وتنتسب إليها اللغة التركية آخر اللغات في العصر. ولكن لم تحل قضية نشأة شعب السومر حتى الآن. أو بالأصح لم توضح الدراسات العلمية انتمائهم لآسيا الوسطى أو اعتبارهم قوماً ينتمون إلى السلالة التركية.
هناك معلومات مؤكدة تبين وبشكل مفصل الشعوب التي شاركت في تلك التنقلات التركية فترة مابعد الميلاد وتاريخ تلك التنقلات وهي كالآتي:
الهون: وانتقلوا من منطقة اورخون إلى منطقة جنوب كازاخستان فترة مابعد القرن الأول الميلادي ثم انتقلوا أيضا إلى تركستان في منتصف القرن الثاني الميلادي ومن ثم إلى أوروبا مابعد عام 375م.
الاويار-هون: انتقلوا إلى أفغانستان و إلى منطقة شمال الهند مابعد عام 350م.
الاوغور: انتقلوا من منطقة جنوب غرب سيبيريا إلى روسيا وذلك مابين عامي: 461-465م.
الاوغوز: انتقلوا من منطقة اورخون إلى روسيا جوار نهر (سيحون) خلال القرن العاشر الميلادي وانتقلوا أيضا إلى إيران والأناضول عبر منطقة ماوراء النهر في القرن الحادي عشر الميلادي.
الاڤار: انتقلوا من منطقة غرب تركستان إلى أوروبا الوسطى منتصف القرن السادس الميلادي.
البلغار: من منطقة شمال البحر الأبيض المتوسط إلى البلقان مابعد عام 668م، ثم انتقل بعض الأتراك مع المجريين إلى حافة نهر ڤولجا بعد عام 830.
السابار: من شمال منطقة ارال إلى القوقاز خلال النصف الثاني من القرن الخامس الميلادي.
البشنك والكومان (الكبشاك)والاوز (وهو أحد أجناس الاوغوز): انتقلوا من شمال بحر قزوين والى منطقة أوروبا الشرقية والى البلقان خلال الفترة مابين القرن التاسع والحادي عشر الميلادي.
الاويغور: هاجرو من منطقة اورخون إلى منطقة آسيا الوسطى فترة مابعد العام 840م.
وكان من ضمن تلك التنقلات هجرة الهون والاوغوز الذين قطعوا مسافات شاسعة وسجلوا انتصارات تاريخية مهمة أيضا. ويمكن وصف تلك الهجرة لكلا الشعبين، بأنها كانت قوية من خلال الفتوحات في سبيل تأسيس وطن جديد. ومن الممكن تسمية الانتشار التركي السريع بالطريق إلى التوسع. ويأتي هذا التوسع السريع بسبب اذدياد طلبات الدول الغربية على الشباب ذوي البنية الجسدية القوية والجيدة وكان هذا الطلب من بعض أقوام المجموعات المنشقة عن المجتمعات ذات الكثافة السكانية ومن بعض المناطق المجاورة لها. ولذلك فقد لاقى الأتراك استحسانا كبيرا من خلال مشاركتهم في المجتمعات المختلفة، من نواحي: القوة العسكرية والسيطرة على الحياة السياسية والقدرة على تأسيس البلدان (كما في مصر والهند).
ماهو سبب هجرة الأتراك؟ وماهي العوامل التي دعت الأتراك لذلك؟، تشير الدراسات أنهم لم يقوموا بذلك لرغبة الشعب نفسه أو للاستيلاء على المناطق بهدف الاستمتاع، بل يأتي السبب الحقيقي من وراء ذلك للضرورة الملحة. وتشير مصادر تاريخية أن السبب هو مشكلة اقتصادية أيضا، أي بمعنى أن التحرك من الأراضي التركية حدث بسبب عدم القدرة على البقاء بها. فمثلاً، ماحدث عند انتقال الهون من قحط كبير جدا وكذلك هجرة الاوغوز حيث كان صغر مساحة المرعى وكثافة السكان سببا في صعوبة تنقل الأتراك. ووصل الحال بهم إلى عدم القدرة على إطعام الشعب المتزايد في ارض الوطن في أراض زراعية صغيرة المساحة، لكن ومن اجل استمرار الحياة في المراعي التركية كانت هناك حاجة لاستخدام وسائل اقتصادية وأنواع مختلفة من المواد الغذائية والملابس وغيرها من الأشياء وعوامل أخرى مختلفة مثل المناخ الجيد والثروة الطبيعية فكان يتوفر بعض من تلك الأشياء في المناطق المجاورة قليلة السكان. والى جانب المشكلة الاقتصادية، فان ماحدث من أمور كغزو المغول- كيتان في القرن الحادي عشر الميلادي وتعرض الأتراك للخطر والقبول بتلك الحالة آن ذاك والحرمان من الاستقلال كل ذلك كان يدفع الكثيرين للرحيل إلى خارج الوطن. وكانوا سيضلون في صحراء قاحلة في حالة عدم تحقيق ذلك