الشيخ آق شمس الدين علم من أعلام الحضارة الإسلامية في عهدها العثماني وهو عالم من العلوم الإسلامية وفي الطب والعلوم والصيدلة.
أسمه شمس الدين بن حمزة، وهو معلم الفاتح ومربيه وكان ذلك عندما طلب السلطان مراد الثاني من الشيخ حاجي بايرام ولي أن يوصيه بمؤدب لابنه محمد الذي عرفه التاريخ باسم محمد الفاتح فكان هذا المؤدب هو الشيخ آق شمس الدين.
من هو؟
يتصل نسب الشيخ آق شمس الدين بالخليفة الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه وكان مولده في دمشق عام 792 هـ 1389 م حفظ القرآن الكريم وهو في السابعة من العمر ودرس في أماسيا ثم في حلب ثم أنقرة وتوفي في عام 1459م.
أشترك الشيخ آق شمس الدين في التدريس لمحمد الفاتح في مجال العلوم الأساسية في ذلك الزمان وهي القرآن الكريم والسنة النبوية والفقه والعلوم الإسلامية واللغات الإسلامية (العربية والفارسية والتركية) وكذلك في مجال العلوم العلمية من الرياضيات والفلك والتاريخ والحرب.
وعندما أوكل السلطان مراد الثاني إدارة “مغنيسيا” إلى أبنه الأمير الصغير محمد للتدرب في سن مبكرة على أصول الحكم، أرسله إلى هناك تحت إشراف مجموعة من العلماء على رأسهم الشيخ آق شمس الدين.
وقد أثرت مجموعة العلماء في اتجاهات الأمير ثقافيا وعسكريا وأصبح فيما بعد من أكثر الأمراء العثمانيين سعة أفق وإدراك وعبقرية، وكان الشيخ آق شمس يبث في الأمير الصغير بأنه المقصود من الحديث النبوي “لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش” وعندما أصبح الأمير سلطانا على الدولة العثمانية توجه بجيوشه إلى القسطنطينية وفتحها بعد معركة عنيفة استمرت 54 يوما.
موقف صعب
خلال حصار القسطنطينية استطاعت أربع سفن أرسلها البابا لنقل الإمدادات إلى المحاصرين أن تخترق الحصار العثماني وتدخل في الخليج فابتهج البيزنطيون وارتفعت روحهم المعنوية، وحدث العكس في معسكر المسلمين حتى أن العلماء والأمراء العثمانيون اجتمعوا بالأمير محمد ليقنعوه بالعودة والتخلي عن فتح القسطنطينية، وأمام هذا الموقف العصيب أرسل السلطان وزيره ولي الدين احمد باشا إلى الشيخ آق شمس في خيمته ليسأله الحل فأجاب الشيخ “لابد من أن يمن الله بالفتح”.
لكن السلطان لم يقنع بهذا الجواب فأرسل وزيره مرة أخري ليطلب من الشيخ توضيحا عن الفتح فكتب رسالة لتلميذة السلطان يقول فيها: “.. إن حادث أهل تلك السفن قد أحدث في القلوب التكسير والملامة، وأحدث في الكفار الفرح والشماتة، القضية الثابتة هي إن العبد يدبر والله يقدر، والحكم لله ولقد لجأنا إلى الله وتلونا القرآن الكريم……”.
أحدث هذا الخطاب الموجه أساسا للجيش الراحة والطمأنينة وعلى الفور قرر مجلس الحرب العثماني في 26/27/مايو 1453 م الاستمرار في الحرب لفتح القسطنطينية.
أراد السلطان أن يكون شيخه بجانبه أثناء الهجوم فأرسل إليه يستدعيه لكن الشيخ كان قد طلب إلا يدخل عليه احد الخيمة وبالتالي منع حراس الخيمة رسول السلطان من الدخول، غضب السلطان وذهب بنفسه إلى خيمة الشيخ ليستدعيه فمنعه الحراس أيضا، فأخذ الفاتح خنجره وشق جدار الخيمة في أحد جوانبها ونظر إلى الداخل فإذا شيخه ساجد لله سجدة طويلة وعمامته متدحرجة من على رأسه وشعر رأسه الأبيض يتدلى على الأرض ولحيته البيضاء تنعكس مع شعره كالنور ثم رأي السلطان شيخه يقوم من سجدته ودموعه تنزل متلاحقة، فقد كان يناجي ربه قاضي الحاجات.
أول آذان
وبينما كانت الجيوش العثمانية تتدفق داخل المدينة تقدم الشيخ إلى السلطان ليذكره بشريعة الله في الحرب وبحقوق الأمم المفتوحة كما هي في الشريعة الإسلامية. وعندما أمر محمد الفاتح بإقامة الصلاة في آيا صوفيا أعطي الشيخ آق شمس حق إلقاء خطبة فيها، وأثناء توزيع الغنائم قام الشيخ خطيبا في الجنود ليشير إلى الجنود بضرورة تعمير المدينة بعد الحرب وحماية ما بها من مؤسسات.
وعندما دخل السلطان الفاتح بعد الاستئذان على شيخه عقب الفتح المبين لم يقم الشيخ تحية للسلطان بل ظل مضطجعا ولما انتهت المقابلة لم ينهض أيضا تحية للسلطان ولقد تأثر السلطان الفاتح بهذا الموقف وسأل أحد المقربين في سبب عدم اهتمام الشيخ بتحيته وعدم قيامه له فقال للسلطان “يا مولاي إن الشيخ مرب، وقد خشي عليكم من الغرور بسبب الفتح الكبير”.
عالم النبات والطب والصيدلة
كان آق شمس الدين عالما مشهورا في عصره ليس فقط في العلوم الدينية وإنما له بحوثه في علم النبات ومدى مناسبتها للعلاج من الأمراض وبلغت شهرته في ذلك أن صار مثلا بين الناس والمثل يقول “إن النبات ليحدث آق شمس الدين“.
كان الشيخ يعنى أيضا بالأمراض البدنية قدر عنايته بالأمراض الروحية أو ما نطلق عليه اليوم الأمراض النفسية وأشتهر الشيخ في ذلك بلقب “طبيب الأرواح” أي طبيب الأمراض النفسية.
وأهتم اهتماما خاصا بالأمراض المعدية فقد كانت هذه الأمراض في عصره تتسبب في موت الآلاف وألف في ذلك كتابا بالتركية بعنوان “مادة الحياة” حيث وضع تعريف للميكروب في القرن الخامس عشر الميلادي، وهو أول من فعل ذلك، ولم يكن الميكروسكوب قد ظهر بعد. ثم وبعد أربعة قرون من حياة الشيخ آق شمس الدين وصل الفرنسي لويس باستير ليقوم بأبحاثه ويصل لنفس النتيجة.
وأهتم كذلك بالسرطان وكتب عنه، وفي الطب ألف الشيخ كتابين هما مادة الحياة وكتاب الطب وهما باللغة التركية وللشيخ سبع كتب بالعربية هي حل المشكلات – الرسالة النورية – مقالات الأولياء – رسالة في ذكر الله – تلخيص المتائن – رسالة في شرح حاجي بايرام ولي.
عاد الشيخ إلى بلدته كونيوك بعد أن أحس بالحاجة إلى ذلك رغم إصرار السلطان على بقائه في إستانبول وعاد إلى قريته ليموت فيها عام 1459م.
نقلا عن كتاب الدولة العثمانية للدكتور محمد الصلابي