solay باشجاويش
عدد المساهمات : 31 نقاط : 85 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 16/08/2010 القرية : عين عيشة
| موضوع: القائد العربي الراحل جمال عبد الناصر الجمعة أغسطس 26, 2011 8:06 pm | |
| هل يمكن أن يكون شهر، أو وقت معين في العام شؤمًا على الإنسان في أغلب الأحيان، إن كان هذا الأمر له نصيب من الصحة، فقد كان شهرَا سبتمبر وأكتوبر في حياة جمال عبد الناصر كذلك، حتى كان يوم وفاته في 28 سبتمبر 1970، وسنجد في حياته أنه فشل في الالتحاق بالحربية في سبتمبر 1936، وسنجد حصار الفالوجا لكتيبته في فلسطين في سبتمبر 1948، وتلاحظ هذا الأمر بعد الثورة، وما تردد من محاولة اغتياله (المعروفة باسم حادثة المنشية) بالإسكندرية في أكتوبر 1954م والعدوان الثلاثي على مصر كان في أكتوبر 1956م وانفصال مصر عن سوريا (بعد قيام الوحدة في عام 1958) كان في سبتمبر 1961، وتورط مصر في حرب اليمن كان في سبتمبر 1962م، وفي شهري سبتمبر وأكتوبر 1968م كانت مظاهرات الطلبة ضد السلطة في مصر لأول مرة منذ عام 1954م، وفي سبتمبر 1969 اضطر جمال عبد الناصر لقبول معاهدة روجرز الأمريكية ورفضتها إسرائيل (إمعانًا في إذلال مصر) وكانت النهاية في سبتمبر 1970م ولكن حياة الرجل كانت أكثر سعة من هذه الأحداث، ومن ثم سنعرض لحياة الرجل في إيجاز.
جمال عبد الناصر قبل ثورة يوليو 1952م
- والده هو عبد الناصر حسين، تنتمي العائلة إلى قرية بني مرّ مركز أبنوب بمحافظة أسيوط، تخرج من المدرسة الابتدائية بأسيوط عام 1903، ثم التحق بمصلحة البريد، وتنقل بحكم عمله بين القاهرة والإسكندرية والخطاطبة.
- ولد جمال عبد الناصر في 15 يناير 1918م في الإسكندرية، تعلم بين مدارس الإسكندرية والقاهرة حتى حصل على الابتدائية عام 1931م، ثم الشهادة الثانوية من القسم الأدبي عام 1936م، وفشل في دخول الحربية في سبتمبر من نفس العام فالتحق بكلية الحقوق، ثم استطاع الالتحاق بالحربية في مارس 1937، وتخرج منها في يوليو 1938م.
مسيرته العسكرية:
- تم تعيين جمال عبد الناصر ضابطًا برتبة ملازم ثان بالكتيبة الثالثة مشاة، ثم تنقل بين الإسكندرية والصحراء الغربية، ثم عمل في السودان عام 1940م، ثم منح رتبة نقيب وعين مدرسًا بالكلية الحربية عام 1942م، ثم التحق بكلية أركان الحرب عام 1945 وتخرج منها في مايو 1948م، واشترك في حرب فلسطين وهو برتبة صاغ (رائد)، وبعد عودته عمل مدرسًا بمدرسة الشؤون الإدارية، ثم اشترك في حرب القناة عام 1951م وفي نوفمبر 1951 عين مدرسًا بكلية أركان الحرب.
النشاط السياسي:
-تنوع النشاط السياسي لجمال عبد الناصر، فقد اتصل بجماعة الإخوان المسلمين منذ عام 1945م، واشترك في تدريب جهاز الجماعة السري على السلاح، وقام بالتنسيق مع قيادات الجماعة قبل قيامه بالثورة، كما اتصل بالتنظيمات الشيوعية، ونظم اتصالا مستمرا مع قيادات مختلفة في التنظيمات الشيوعية، كما نظم مع مجموعة من الضباط تنظيمًا عسكريًا سريًا، وقد اشترك بنفسه في محاولة اغتيال بعض السياسيين قبل قيامه بالثورة.
وقبل الانتقال إلى شخصية جمال عبد الناصر بعد الثورة لا بد أن نلقي الضوء على بعض الاتصالات والعلاقات الشائكة التي مهد بها جمال عبد الناصر لثورة 1952.
العلاقة مع إسرائيل:
بادئ ذي بدء لا بد أن نقول: إن مصدر هذه الرواية هو يهودي برتبة كابتن واسمه بروهام كوهين وهو من أصل يمني، وقد تمت ترجمة روايته أكثر من مرة، فنشرت في مجلة "التحرير" الصادرة عن ثوار يوليو في 11 مارس 1953، كما نشرت بقلم محمد حسنين هيكل في مجلة "آخر ساعة" المصرية بتاريخ 25 فبراير 1953، والمصدر الأخير هو جمال عبد الناصر نفسه في يومياته العسكرية التي كتبها في أثناء حصار الفالوجا، ويوميات قائده الأميرالاي "السيد طه"، ويوميات الكابتن "بروهام كوهين" وكلها نشرت في كتاب لصحفي غربي، وتمت ترجمة الكتاب بصورة محدودة بمعرفة هيئة الاستعلامات، ولكن هذه اليوميات –خاصة يوميات السيد طه- نشرت بمعرفة هيكل في آخر ساعة في إبريل 1949، ونأتي إلى يوميات أو رواية كوهين وموجزها أن اليهود بعد حصارهم للقوات المصرية في الفالوجا، أراد "إيجال آلون" قائد اليهود في المنطقة التفاوض مع المصريين على الاستسلام والانسحاب، وأرسل القائد الكابتن كوهين من أجل التفاوض، وكان الضابط الذي التقى به هو جمال عبد الناصر. وتستمر الرواية، باستمرار اللقاء المتكرر، الذي كان يستمر أحيانًا عدة ساعات في انتظار رد الحكومة المصرية أو القيادة اليهودية على عرض كل طرف بخصوص الانسحاب، وفي هذه الأثناء تكلم كوهين وجمال عبد الناصر، وكان اهتمام جمال –حسب رواية كوهين- معرفة قدرة واستطاعة اليهود إخراج البريطانيين من فلسطين، وكيفية تنظيم التنظيمات السرية المسلحة، وكيفية عملها. هذه كانت الاتصالات المباشرة الأولى.
أما الاتصال الثاني، فقد كان بطلب من الحكومة الإسرائيلية للحكومة المصرية، فقد طلبت إسرائيل من مصر أن تساعدها في تحديد مواقع دفن ضحاياها من اليهود أثناء المعارك في الفالوجا، وفي العرف العسكري يتم إرسال قائد الفرقة الموسيقية العسكرية للقيام بهذه المهمة، ولكن إسرائيل طلبت البكباشي جمال عبد الناصر؛ لأنه هو من قام بدفن اليهود القتلى في هذه المنطقة، وفي فبراير 1950 يصل جمال عبد الناصر، ويكون الطرف الإسرائيلي هو الكابتن بروهام كوهين، ويقضي جمال عبد الناصر يومًا لأداء هذه المهمة، ولكن عاصفة ثلجية تعطل الطرق، فتطول الزيارة، ويعود بعدها جمال عبد الناصر إلى مصر، وقد ورد على لسان جمال عبد الناصر تأكيد للحديثين في كتاب فلسفة الثورة ص26، كما كتب جمال عبد الناصر بنفسه في أكتوبر 1954 في الأوبزرفر البريطانية عن الثورة.
"ولم يقتصر الأمر في فلسطين على مقابلة الأصدقاء الذين ساهموا معي في العمل من أجل مصر، بل جاءتني هناك تلك الأفكار التي أضاءت لي الطريق الذي كان عليّ أن أقطعه، وطالعت في بعض الأوقات مقالات كتبها عني ضابط إسرائيلي يدعى بروهان كوهين.. ويروي الضابط في هذه المقالات: " كان الموضوع الذي يحدثني جمال عبد الناصر عنه دائمًا هو كفاح إسرائيل ضد الإنجليز، وكيف نظمنا حركة المقاومة السرية في فلسطين، واستطعنا حشد الرأي العالمي وراءنا في كفاحنا ضدهم؟"، وقد صار بروهان كوهين هو الخبير بشخصية جمال عبد الناصر في المخابرات الإسرائيلية.
العلاقة مع أمريكا:
لن تستطرد كثيرًا في علاقة جمال عبد الناصر وثورة يوليو بأمريكا، فالوثائق التي وردت في كتاب "ثورة يوليو الأمريكية" لمؤلفه محمد جلال كشك، وكذلك كتاب "كلمتي للمغفلين" لا يتركان كثير مناقشة لحقيقة العلاقة، كما ما ورد في كتابات مؤرخي الثورة من أمثال أحمد حمروش وغيره تؤكد تعليمات جمال عبد الناصر بحذف عبارة "الاستعمار الأنجلو أمريكي" من منشورات الضابط قبل الثورة بعدة أشهر، كما ترجح لقاءات مع رجل المخابرات الأمريكية كرميت روزفلت، وذلك تؤكده الوثائق الأمريكية والبريطانية، فتقرير كميت روزفلت للخارجية الأمريكية بقرب تعديل الأوضاع في مصر بمعرفة مجموعة من الضباط، وبرقيات أمريكا للحكومة البريطانية بعدم تدخل قواتها في منطقة القناة عند قيام أي تحركات لتغيير الأوضاع في مصر إلا بعد الاتصال بالحكومة الأمريكية، ورواية كريم ثابت عن مقولة السفير الأمريكي الذي كان على الشاطئ مع أنور السادات عند خروج الملك فاروق من مصر عن استعداد الثورة الآن لعقد صلح مع إسرائيل ورد السادات: إنهم يحتاجون بعض الوقت للقضاء على الفساد وتهيئة البلاد.
ماذا نفهم من ذلك؟
نستطيع أن نرسم صورة تقريبية لأسلوب جمال عبد الناصر في الإعداد للثورة، داخليًا الاتصال مع القوى المؤثرة والاستعانة بها لتأمين الثورة، وضمان التأييد الشعبي لها، مع عدم وضعها على منصة السلطة، تأمين الوضع الدولي فالعدو القريب يتمثل في إسرائيل والإنجليز، إسرائيل يمكن تأمين موقفها بعدم شحن الجماهير أو الجيش للثأر من هزيمة 48، ووضع الأمر (أي الهزيمة) على كاهل النظام الداخلي، وبالاتصال مع وريث بريطانيا وهو الولايات المتحدة الأمريكية والتنسيق معه، يمكن بذلك ضمان عدم قيام القوات البريطانية بالتحرك ضد الحركة المرتقبة. وبعد أن تستقر الأوضاع للثوار نبدأ في مراجعة المواقف المختلفة. لا بد من الاعتراف بعبقرية الرجل في التخطيط.
جمال عبد الناصر على قمة السلطة في مصر
تدرج جمال عبد الناصر في المناصب الرسمية في سبتمبر 1952 تولى وزارة الداخلية، ثم في يونيو 1953 م تولى منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية، ثم في فبراير 1954 رئيسًا للوزراء، وقام بتشكيل الوزارة في إبريل 1954، ثم صار رئيسًا للجمهورية بموجب استفتاء في 23 يونيو 1956م، ثم رئيسًا للجمهورية العربية المتحدة المكونة من مصر وسوريا في 21 فبراير 1958، ثم انضمت للوحدة اليمن في عام 1959م، وتجدد انتخابه في مارس 1965 والتي صار بها رئيسًا حتى وفاته.
على المستوى الداخلي:
- مجانية التعليم
- ألغى الملكية وأعلن الجمهورية.
- حدد الملكية الزراعية وقام بتوزيع الأرض على صغار الفلاحين والمستأجرين، وبالتالي تغيرت الخريطة الاجتماعية في الريف (1953 ثم في عام 1961)
- قام بتأميم سائر الشركات والمصانع والمحلات التجارية الكبيرة والمتوسطة، وصارت ملكًا للدولة 1961.
- صدرت التشريعات العمالية التي تحفظ للعامل حقوقه وكرامته، وقام بنهضة صناعية كبرى.
- قام ببناء السد العالي الذي ساعد على تطوير الزراعة والصناعة وتوليد الطاقة الكهربائية (1960/ 1971م)
- نوع مصادر الأسلحة بدءًا من عام 1956.
وإلى جانب ذلك:
- ألغى الحياة السياسية الديمقراطية ووحد المؤسسة في الاتحاد القومي 1959 ثم الاتحاد الاشتراكي 1962م.
- أوقف كافة أنشطة التيارات الإسلامية وفتح المعتقلات لأبناء التيارات الإسلامية، وسائر التيارات الأيدلوجية وقد قتل بالتعذيب في السجون المئات من الأبرياء، بالإضافة إلى مذابح قرية كرداسة 1965، وكمشيش 1966م.
- وضع مؤسسة الجيش فوق القانون، ووضع الضابط على رأس كافة مؤسسات الدولة؛ لكسب تعاطف الجيش معه.
- جعل المبدأ الأساسي في الاختيار أهل الثقة لا أهل الكفاءة.
- صادر كافة الآراء، ولم يسمح لأحد أن يعارض السلطة بأي وسيلة، ومن حاول يصبح نزيل أحد المعتقلات فريسة لكلاب السجن أو نزيل إحدى المصحات العقلية.
- نكسة عام 1967م وهي لا تحتاج إلى تعليق.
على المستوى العربي والإفريقي:
- ساند كافة حركات التحرر، فنراه يمد ثورة الجزائر بالسلاح، ويرسل قوات مصرية إلى الكنغو مع الأمم المتحدة عام 1961م، وإرسال قوة مصرية لمساندة سوريا ضد تركيا عام 1957.
- فتح معسكرات للتدريب العسكري لكافة حركات التحرر العربي والإفريقي.
- العمل على دعم كافة حركات الوحدة ومحاولة تقديم المثل. فكانت الوحدة المصرية السورية اليمنية 58-1961 والوحدة مع العراق 1964م، والوحدة المصرية الليبية السودانية 1969.
- تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية عام 1963.
- تأسيس منظمة تضامن الشعوب الأفريقية الآسيوية 1957م.
- استقبال العديد من الزعماء الوطنيين في القاهرة.
- بث إذاعات موجهة لأفريقيا باللغات القومية الأفريقية إلى جانب الإنجليزية والفرنسية (وصلت عدد اللغات إلى 33 لغة).
- دعم القضية الفلسطينية وفتح معسكرات لتدريب عناصر المقاومة الفلسطينية، وفتح إذاعة صوت فلسطين.
ولكن إلى جانب ذلك:
- الدسّ والتآمر على معظم النظم الملكية في العالم العربي.
- التورط في حروب أهلية مثل حرب اليمن عام 1962، ثم التورط في مواجهة ضد السعودية، واعتقال مجلس الوزراء اليمني بأكمله في مصر أثناء الحرب اليمنية الأهلية.
- إساءة الإدارة في الوحدة المصرية السورية، وتولية أهل الثقة أدى إلى تقديم مثل سيئ، حطم الحلم العربي في الوحدة.
- الإساءة إلى بعض الحكام العرب علنًا، مثل سبه للملك حسين في خطبة عام 1962م، 1963م.
- نكسة عام 1967.
على المستوى الدولي:
- أسس حركة عدم الانحياز في مؤتمر باندونج 1955م.
- خطب واشترك في عام 1960 في دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة.
- حث وساعد على إصدار الأمم المتحدة في ديسمبر 1960 إعلان منح الاستقلال لكافة البلدان المستعمرة.
- أعلن مناصرة كافة القضايا الوطنية في مواجهة الاستعمار.
- وضع مصر والعرب على الخريطة الدولية كقوة معتبرة يجب أن توضع في حساب القوى العالمية.
هذا هو جمال عبد الناصر، قد اختارته مراكز البحوث الغربية كأحد أهم الشخصيات المائة التي أثرت في القرن العشرين (لم تختر من العالم العربي إلا جمال عبد الناصر، والإمام حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين)، ولكي نضع خاتمة لهذه الشخصية، فقد نقلت بعض الصحف الغربية أن سفنًا من الأسطول الأمريكي كانت في طريقها إلى شرق البحر المتوسط للقيام ببعض المناورات العسكرية في 28 سبتمبر 1970، وما أن أعلن نبأ وفاة جمال عبد الناصر حتى صدرت التعليمات لها بالعودة، والسبب "أن الرجل الذي كنا نريد أن نُسمعه أصوات مدافعنا .. قد مات".
| |
|